ألم أقل لكم ؟

ورجعت أكتب تاني



اكتب اللي في نفسي بجد المرة دي



ولقيتني فتحت على نفسي وعليكم أبواب كتير



يمكن ما تعرفوش تقفلوها


السبت، 4 ديسمبر 2010

حواديت الشوارع

"الشوارع حواديت ... 
حوداية الحُب فيها      وحوداية عفاريت"  
رغم عشقي المؤلم للحواديت ، واستئثاري بالقدرة على الحكي بين رفاق الطفولة والصبا ، رغم خروجي الدائم خارج حدود الجدران الأربع ، بالخيال غالبا ، كنت دائما طرفا غائبا عن المشاهدة العيانية لمغامرات الشارع وأحداثه ، شارعنا الذي يضيق قرب بيتنا ثم يترك لنفسه كل البراح بعيدا عنه ، تصلني أخباره وأحداثه من أفواه الجارات اللاتي يمتلكن شرفات خارجية تطل عليه ، بينما قدر لغرفتنا الوحيدة ألا تتطلع أبدا للعالم الخارجي ،  بنافذة  تشاركها الوحدة والانعزال ، لا تطالع سوى الأفنية الخلفية للبيوت الأخرى ، لذا فشجارات الصغار التي تتحول لمعارك بين الأسر ، الأفراح الشعبية ،  وأصوات الشارع والمارة ، المقيمين أو الدخلاء ، الفضائح والشائعات ، تصلنا  متأخرا جدا كمن يقرأ الجرائد القديمة ، أو بالتعبير الشعبي ، كنا آخر من يعلم .

( الشارع ده كُنَّا ساكنين فيــه زمان
كُل يوم بيضيق زياده عن ماكان
أصبح آلان ،
بعد ماكبرنا عليه
زي بطن الأم مالناش فيه مكان  )

منحتني الكتب والأفلام نوافذ وشرفات وشوارع وحيوات  كاملة ، لكنها أبدا لم تكن كافية ، إلا لتأجيج نيران الرغبة في الانفلات الدائم .
لحظات الانفلات من حوائط القرميد ، وجدران القدر الأنثوي ، أغالبها لتمتد من دقائق لساعات ، طريق العودة من المدرسة أو الجامعة أو العمل ، لابد أن يكون أطول الطرق وليس أقصرها ، المرواغة من الشوارع الرئيسة ، للدروب الضيقة والحارات ، والأسواق الشعبية  عادة يومية ، تؤنسني الرفقة لبعض الطريق فقط ، فأغالب الوحدة بالغناء والدندنة .

"علي صوتك بالغنى لسه الأغاني ممكنة"

أو باستعادة أحداث آخر الروايات ، و الأفلام ، وابتكار أحداث وشخوص أخرى ، تصاحبني حتى مكان الوصول .

"الشارع لنا ..... الشارع لنا ... إحنا لوحدنا والناس التانيين
دول مش مننا .. الشارع لنا ."

الخفة المطلقة ، الامتلاء التام ، امتلاك العالم كله في لحظة ، بشخوصه وأحلامه ، تلك الرقصة الجماعية التي ترفع أقدامنا عن الأرض لنحلق في السماء معا ، الهتافات ، الثورة ، التمرد ، الصوت الواحد المتعدد ، حركة المجاميع في الأفلام ، ورحابة الشارع الواسع التي تحتضن الكل الواحد ،  حلم طالما أسرني  .

منحتني الكتابة بطاقة المرور إلى الشارع ، التسكع والصعلكة والتشرد المبرر ، ترف الجلوس على المقاهى كأي مثقف حقيقي .

ومنحني السفر متعة الانفلات الأكبر ، المغامرة والاكتشاف للذات أولا ، قبل مصاحبة الدروب الجديدة تماما في مشوار الحياة .  
هل تتذكر تلك اللقاءات ، كل الشوارع التي مشيناها حتى تآكلت في قدمينا الأرض ، دون أن يذوي من شفتينا القول  ، حين حان الفراق ، كان الافتقاد والحنين لكما معا  .

أرسلت لي مدندنا :
"خاصمت الشوارع ، خاصمت البيوت  وكل الحاجات اللي كانت تفوت علينا سوا"

أما أنا فتصالحت مع الشوارع الجديدة أمهدها لأقوال أخرى ، ومشاوير نسيرها معا ، ومخزون  كبير من الحواديت .

وبالذاكرة والحنين ، كانت الغواية الدائمة لاستحضار الأمكنة بدلا من الشخوص والأحداث ، كأبطال فعليين للقصص والحكايات .
حكاياتي  عن البيت والحجرة والشارع
            عن الدرج المظلم ، ودورة المياه ، والمدرسة
والفراغات الصغيرة المظلمة المتخلفة عن أحجار نزعت من مكانها و..
                عفوا ... تلك حكاية أخرى .






ليست هناك تعليقات: